الاثنين، 26 يونيو 2017

حلّق بـجناح وسأصفّق لك بـجناحين

 
أثناء مسير كل أحدٍ منّا على هذه الأرض يُحاول في بادئ الأمر أن يكون واقعيًا
أن يستطلِع تضاريس ممشاه جيدًا، ألّا يقَع في حفرةٍ ما بينما يسير
يُقال أنه متى نبدأ في عيش أحلامنا ننظُر للسماء لأنها أكثر صفوًّا من أرضنا . . لأننا لا نعلم لونها الحقيقي كما أحلامنا
وبدأ الأمر كلّه حين كنت أسير وعلى حين غفلة من واقعي حلمت .  .وفي تلك اللحظة وقعت بـتلك الحُفرة
لم أستوعِب تمامًا أنّي وقعت إلّا بعد لحظات . . يااه تلك اللحظات كانت كفيلة بأن تُوصلني لهذا العُمق؟
أنا في عُمق حفرة تحجب رؤية الشمس عنّي، أتذكّر جيدًا قبل وقوعي أنني كنت اتأمّل السماء
كنت اتأملها جيدًا، فـكيف في بضعة لحظات لم أعُد قادِر على رؤية شيء؟
أكان ينبغي أن أواصل واقعيتي وأسير وعيناي تستبصر الأرض؟
لكنني أبالغ كثيرًا، صحيح؟ إنا مُجرد حُفرة وسينتهي الأمر بخروجي منها . . فـفي النهاية هذا المكان لن يكون آخر معلَم أزوره على الأرض
متى تفوّهت بـتلك العبارة أتاني صوتًا وبكلّ إدراك منّي لم يكُن صادرًا من مداي

قال ذلك الصوت: "وما رأيك في أن تكون السماء آخر ما تزوره؟"
لم أُجِب عليه، فشخص مثلي لم يسبق وأن فكّر في زيارة سور الصين العظيم . .كيف يُفكّر في زيارة السماء؟
أكان وقتها ذهني صافيًا كفاية لأتسائل وأنا في تلك الورطة: "ولكن كم سيكون تكلفة زيارة السماء؟ وماذا سيكون الوسيط بيني وبينها؟"

عادَ ذلك الصوت من جديد ليقول: "يُضحكني أنني لم أفكّر حتّى في زيارة أشهر مقهى في مدينتي، مع ذلك زرت السماء دون حسبان منّي  .. على الأقل أنتَ فكّرت في زيارة ذاك البرج"
لم يكُن برجًا، لا أعلم مَن هو صاحب هذا الصوت ولكن حتمًا يجهل الكثير من الأمور
الآن هلّا خرست للحظة؟ صوتك حادّ كـصديق أعرفه بـجانب أن حِدّة الصخور هنا كافية
دعني أخرج من مأزقي الآن ولاحقًا أخبرني بـقصّة رحلتك للسماء
وقلت بـضحكة ساخرة: "هلّا أخبرتني أيها الجاهل قبل أن اغادر، زرت السماوات السبع كلّها أم تظنّها أقلّ عددًا من ذلك؟"
لكن هذه المرة لم يُجبني، لذلك رأيت أنها الفُرصة الذهبية لأخرج من هنا

أثناء محاولتي للخروج بدا وكأن شخص يُحاول تسديد الحفرة، كانت تتساقط عليّ كميّة مهوّلة من الرمال
في الحقيقة لم تكُن تلك الكميّة بـفعل يدين شخص واحد . . فكّرت لو أن هُنالك أعمال تخطيط أو ما شابه
هل سيسدّون الحفرة دون علمهم بـتواجد شخص في الداخل؟ آآآه ينبغي أن أصرخ لأنجو!
صرخت عاليًا ولكن كان ينقطع الصوت قبل أن يصِل لـفوهة الحفرة .. يا ربّي، في أيّ عُمق أنا؟
أنا لستُ بـشخص مُعتاد على التسلّق، حتّى لو حاولت الآن لن أصِل قبل أن تُسدّ تمامًا
بإصاباتي هذه سيستحيل الأمر أكثر . . ولكن هل كان عامِل حفريات من كان يُحدّثني للتوّ؟
ذاك المُغفّل يظنّ لأنه على سطح الأرض هو في السماء؟ لماذا طاوعت أحلامي ونظرتُ للسماء؟ لماذا؟! لماذا؟!
ما كان ليحدث كلّ هذا لو....

"أنتَ لم تسرح مُفكّرًا بـأحلامك، أنتَ غفوت أثناء ذهابنا لأشهر مقهى في مدينتنا كما أخبرتني"
هاه؟ عادَ ذلك الصوت من جديد . . ولكن عمّا يتحدّث؟
"هذا الجاهل يتحدّث عن المقهى الذي وعدتني بـزيارته، أخبرتني أن ما لديك الآن يكفي لتأخذني في جولة في مدينتنا
لاحقًا متى تتيسّر الأمور ستأخذني لبرج الصين العظيم وذلك البرج الآخر المائل"

استوعبت جيدًا صاحب هذا الصوت، هو حتمًا صديقي!
أيها المُغفّل أخرجني من هُنا! لو علقت لن نذهب حتّى لسوق الخُضار في حيّنا! أخبرهم أن يتوقفوا
بدأت الرمال تترسّب إلى عيناي وهذا مؤلم!

"من قبلك أنا تألّمت كثيرًا، والآن أنا أصعدُ في هذه الطوابق السماوية ولا عِلم لي في أيّ طابِق أنا"
أوقف الحديث عن هذا الآن، أخبرهم أن يخرجوني وأعدك أنني سأخبرك بعددها
"تظنّ أنني لم أطلب المُساعدة مثلك بل وبـإصرار أكثر متى كنت في تلك الحفرة؟"
عمّا تتحدّث؟ سقطت وحيدًا هُنا . . أرجوك احفظ حماقتك لوقتٍ آخر
الآن وكيفما تسمعني أخبرهم أن يخرجوني، أنا أخشى الأماكن الضيّقة والرمال بدأت تتكدّس هُنا

"أخبرك الحقيقة! كنت في مثل حالك، ما اختلف أنّك لم تكُن تتواصل معي كما أفعل الآن
صرخت عاليًا ولا مُجيب وبعد قليل تكدّست التُربة كما تصِف الآن من ثُمّ لم أعُد قادر على رؤية شيء
بعدما استيقظت وجدتني أهيم عاليًا، ولا علم لي لأي مسعى أنا ذاهب!"

انتابني خوفٌ شديد حينها، بل واقشعرّ جسدي . . لأنني تذكرت ما كنت أفعله في واقعي قبل أن أحلم
تذكرت كلّ ما حدث قبل وقوعي في هذه الحفرة
هذا الصديق المُغفّل طلبَ منّي أن أدعوه للمقهى  . . لا يهمّ الآن سواء ذهبنا هناك أم لا
أتذكر أنني رأيته مرمي بـجانبي أثناء ذهابنا، وهل كانوا يقولون عُمّال الحفريات "لقد سقط في قعرها تمامًا!" أو شيء من هذا القبيل؟
أجل، أنا كذلك! سمعتهم حتمًا يقولون "يبدو أن الآخر ما زال متمسّك بـحوافِّها" . .أيُعقل أنني لم أتمسّك جيدًا حتى أتت فرق الإنقاذ؟
ويلي! ذاك الصديق لا يعلَم وأنا أعلَم!

"وما الذي لا أعلمه؟ أخبرني . . قد أبدو جاهلًا ولكنّي أحب أن أعرف، خصوصًا أنني أهيم دون علمٍ منّي إلى أين ذاهِب"
وقتها استلقيت أرضًا وبـقناعة تامّة منّي علمت أن من بالخارج هُناك لن يسمعوا شيء
وكانت الفُرصة لأخبره بأشهر المعالِم وهو يُجيب "اها! عرفت الآن" بـجهل دون أن يضحك عليه أحد
أنت! هل ترى حدود السماوات هُناك؟ هل قمت بـحساب الحدود منذُ بـداية رحلتك؟
فـأنت تعلَمُ جيدًا أن ما مِن جدوى من رحلتك ما لَم تُوثّقها جيدًا

"حدود؟ كل ما أعرفه أنني أصعد عاليًا .. أظنني في السماء الخامسة عشر"
كانت إجابته مُضحكة للغاية . . يا صديق، عدد السماوات سبع
لا تختلق عددًا من رأسِك لو تجهل . .أخبرني، كيف تبدو السماء في الأعلى؟
ما هو لونها الحقيقي؟ هل الأمر مُمتع هُناك؟

"لماذا تسأل؟ اعثر على سُلّم يُساعدني في النزول إليك! سأخبرك بـتفاصيل هذه الرحلة المروّعة"
وكانت إجاباته تكون مُضحكة أكثر في كلّ مرة يُجيب عليّ
بدلًا من أن أجلب لك سُلّم لا آمن إن كان سيصلك أم لا، ما رأيك أن تنتظر هُناك حتّى أصعد معَك؟
فـالحفرة بدأت تُسدّ بالفعل . . هل قُلت أنّك لم تعُد قادر على رؤية شيء متى كنت هُنا؟
بالكاد أرى يداي . . هل يُعقل أنها ستُصبح أجنحة بعد قليل وسأُحلّق إليك؟
ها أنا قادِم!



"سأحلّق عاليًا حتّى لو كان جناحاي يرتجفان، إن كنت في السماء الخامسة سأطلب العون من ملاك ليصلني إليك
وإن كنت تقطُن في السماء السابعة وانقطعت بي السبُل إليك، تنازل عن كرامتك وانظر للأسفل ستجدِني
وإن لم تسمع صوتي راقب حركة شفتاي وستفهمني .. وإن لم تراني مُطلقًا فانظر لنفسك ستجدني الروح لجسدك."



هناك 11 تعليقًا:

  1. ياه يا صديقي ما هذه التدوينة الرائعة! حقاً عميقة المعنى و الفِكرة، رُبما لا أحد يعلم متى سيُحلق عالياً في السماء، لكن الجميع بالفعل يتمنى أن يُحلق بحناحين رائعين،! لقد وصلتني الفكرة مُنذ أن قرأت الكلمات الأول، علمتُ بأنه في المثوى الأخير! كالعادة مُتميز بالفكرة و مُتفرد بالأسلوب، أحسنت في الكتابة
    كُن بخير أيها الرائع..

    ردحذف
    الردود
    1. اوووه، شكرًا شكرًا
      هذا من ذوقِك
      أسعدني ردّك كوني أتحرّاها هنا ولكن ما مِن ردود
      من جديد . .شكرًا!

      حذف
    2. اوه العفو يا صديقي إنه واجب على كُل من يقرأ هذه التدوينة التي أقل ما يقال عنها بأنها مُبهرة أن يُعلق عليها، أعلم شعورك أكثر من أي شخص آخر، حِينما أكتب بالفعل أنتظر ردود كُل من يقرأ بحماسة بالغة! يوماً ما هذه الكِتابات المُميزة سترى النور و سيأتي الكثير من الأشخاص لتعبير عن مدى روعتها، لا تقلق فقط واصل بالكتابة..
      كُن بخير يا صديقي..

      حذف
  2. لغتك جيدة والطريقة والتشبيهات جميلة
    احببت الفكرة
    وطريقتك في ابرازها

    ردحذف
  3. رائع رائع اهنيك على الاسلوب الحلو سرت قشعريره بجسمي من الكلام استمر��

    ردحذف
  4. في بادئ الأمر بدا لي الأمر مختلفاً حقاً عن نهايته , ماذا لو كنت تعني بالصديق المغفل "أنت الحالم" ماذا لو لم يكن قد وقع في حفرة عميقة وإنما في مستنقع من اليأس وعمّال الحفريات أولئك ليسوا سوى أشخاص واقعيين يتلذذون بدفن الأحلام وقطع عنقها , ماذا لو كانت إصابتك تلك ليست أكثر من نقطة ضعف بك تمنعك من التسلق عالياً والعودة لتأمل جمال سماء الأحلام , فمهما كان واقعنا وعر أو سماءنا عالية لا يجب أن نكون حذرين لدرجة خوفنا من السقوط في حفرة تمنعنا من رؤية السماء مرة أخرى , لوهلة اعتقدت أنك تتحدث عن "صديقي المغفل" أيضاً الذي أتمنى إنقاذه لإنقاذي , لا بأس إن لم أصعد لسماءه الخامسة عشر ولا بأس إن سقط منها أيضاً فمهما كان سقوطه مؤلماً قد نلتقي في نقطة المنتصف .
    لا أعلم حقاً فلربما فسرت مقالتك بالمعنى الذي يروق لي وبما يتناسب مع وضعي حالياً, فالمقطع الأخير أوحى لي بأن الفكرة أبسط من ذلك بكثير وأن " الصديق الجاهل" قد رحلاً حقاً للموضع الذي لا يعلم به ما العدد الحقيقي للسماوات السبع . إن كان كذلك فرحمة الله على روحه وجناحاً من الدعوات نهديه له حتى يستدل به دربه .
    مبدع كعادتك إبراهيم تجعلنا نتوه ف المعنى ولا نهتدي لطريق غير أفكارنا المتناقضة , لكتاباتك غموض استمتع باكتشافه , استمر يا بطل.
    BM

    ردحذف
  5. ي الله عمييييقه الفكره وأسلوبك رائع جِداً فهمت انه الموت والقبر ،فِعلاً وصلت الفكره بشكل غامض و مٌذهل .
    سلِمت أناملك،استمر.

    ردحذف
  6. رائعة اهنيك اسلوبك بطل

    ردحذف
  7. It's great, nice work

    ردحذف
  8. الفكرة جدا عميقة ومبدعه منذ وقت طويل وانا اتابعك على حسابك في تويتر , حقيقتا ! تفاجأت لمعرفتي انك كاتب !واندهشت اكثر عندما قمت بقراءة بعض من كتاباتك الرائعه والهمتني كثيرا ..في يوم من الايام ارغب بقراءة كتاب مطبوع من تأليفك ! انت بالفعل جاهز لكي تحلق .. استمر !

    ردحذف