الجمعة، 4 مايو 2018

حَبل لم يُقطَع



تلقَّى عدّة أشخاص دعوة لـحضور جلسة تعريفية، خُصِصَت تلك الجلسة للأشخاص الذين لا يُظهرون الكثير ولكنّهم في الوقت نفسه يخفون من القدر قليل
أولئك من يصعُب التعرّف عليهم ويسهل إلقاء الحُكم عليهم، مَن لن يتحدّثوا كثيرًا وتصرفاتهم خارج إرادتهم
كُتب في الدعوة "فليأتِ جميعكُم بـحبل يستحيل قطعه" . . عُرفت تلك الأفواج بأنها تفهَم ما بين الأسطُر
فكان المطلوب هُنا "آتنا بـشيء لن نتمكّن من التسلّل عبره إليك، ولن نقوَى على التمرّد عليك"
وبطبيعة أولئك من لا يُظهرون الكثير، سيفهمون هذا وما هو إلّا بـقليل
بعد حُضورهِم جلسوا في أماكنهم، جميعهم في ذات الهيئة البسيطة
لا تغشوهم الطمأنينة ولا تعلوهم الهيبة . . كانوا حذرِين للغاية، وذاك الحذَر يجعلهم يبدون كـجرذان خائفة
لكن خلف ذلك الحذَر الكثير من المكر . . جميعهم اختاروا الظهور بهذا الشكل
فـهو عاطيًا لكَ الحِصانة، ومِمَّن يُحاول التقرّب يصنَع مناعة
بدأوا في التعارف على بعضِهم، وكانوا يتربّصون بأقرب ثغرة ليعثروا على حبلك المنيع
بعد لحظات دخَل المُنظِّم للإجتماع، نظرَ إلى وجوههم كافّة وكانت أكثر حِدّة من أطراف الحِبال وأكثر تماسكًا من إمتدادها
هوَ الآخر مُلزَم بأن يكشِف حبل كُلّ شخص في هذا الإجتماع
انتابته الحيرة من أيّ باب يقرَع . . ومنّ أي باب يدخُل
فنظرَ إليهم جميعًا بصرامة وقال بصوتٍ مُرتبِك "من الذي أخفَى الجثّة التي قتلتها أنا؟"
نظروا إليه جميعًا مُتسائلين عمّ يتحدّث
أعاد كلامه بحدّةٍ أكثر "من الذي أخفى الجثّة؟ لتطمئن أنفسكم أنتم لم تقتلوا أحَد
ولكنني قبل بضعة أيام ارتكبت جريمة لا تُغتفَر، لهذا دعوتكم هُنا اليوم سائلًا منكم أن تأتوني بأشدّ حِبالكم تماسُك
كنت أقصد بذلِك الفرج منكم، أن تأتوني بحجّة قويّة تعطيني حصانتي من القانون"
وفي أثناء حديثه بدأت وجوههم تتلوَّن، فـمَن لم يحضر هُنا بـكامل الصِدق انتابه الشكّ أنّه مُتورّط حتّى لو لم يكُن كذلك
"لقد علّقت الجثة بعد المدخَل الثاني قبل ساعات، فلتخبروني من أوّل الحضور إلى هُنا!"
نظرَ نذير إلى ليلى بـريبة جعلَت كلّ الحضور ينظرون إليها معه، وبدون أن ينطق فهموا أنّها كانَت أوّل الحضور
ليلى لم تنطِق بـشيء واكتفَت بـقولها "لا أُصدّق القصّة من الأساس! لا أُصدّق أن هُناك جثّة أو جريمة قتل"
بعدها رمقَت ليلى نذير بنظرة دونية وكأنها تُخبره "لمَ صرفت الأنظار إليّ؟"
طلبَ كريم من المُنظّم أن يخبره بتفاصيل أكثَر، وأنهى كلامه بـ"وما شأننا في كُلّ هذا؟ نحنُ نجتمِع لنتعرّف"
قالَ المُنظّم بـنبرة مُترددة: "كُنت أنوي في مثل هذا اليوم أن أُعيّن شريكة لي تعينني في هذه الأعمال
فـكما تعلمون أنتَم أشخاص بـذنوب سابِقة ولا أظنّني ذاك النقيّ كي أعطيكم من الرُشد ما يكفي للخلاص
فـتعرّفت على آنسة تملك من البراءة ما يكفي لمسح ذنوبكم . . وأعتقِد أنّ ما تحمله في روحها من صفاء أدّى لمقتلها
أذكر . . أذكر في ذلك اليوم أنّها أتَت لتُلقي نظرة على جمعيتنا، ولسوء الحظّ لم تُعجَب بطريقتي في إرشاد زوّاري
وبدأت تنتقدني إنتقاد لاذِع وأنني لستُ الرقيب الحسيب عليهم، فما حسبت تصرفاتي و . . ."
أمسك برأسه مُوبخًا نفسه على فعلته  ... تقرّبت منه سماح لتواسيه
"لكن هذا ليس ذنبك، نحنُ نُقدّر المجهود الذي تقدمه حيالنا . . في الحقيقة أنتَ تُساعد كثيرًا في جعلي أحدّ من ذنوبي العشر يوميًا إلى سبعة أو خمسة"
ضاربة بذلك المثل في نُصحه لهم، فـهو خير مُعين لهم بأن يبتعدوا عن عاداتهم السيّئة
في ظُلّ كلّ هذا كانَت نهال لم تنطِق بـشيء، فـرأت أنّه من حقّها كونها أتَت هُنا لسبب آخر ألّا تتورَّط في كلّ هذا
وقال كريم بـسخرية: "مَن يُعيننا على الخير اتَّضح أنّه أكبر المُذنبين"
أجاب المُنظّم: "لا نجاة من الذنوب، جميعنا نتركبها كبيرةً أم صغيرة . . .أعلَم أنّ ذنبي لا يُغتفَر
لكن بدلًا من اللجوء للقانون، أودّ البقاء هُنا معكُم وأُكفّر ذنبي بينكم"
ثُمّ أحال نظره إلى ليلى وسألها بوقار: "لا حرَج عليك، هل فعلًا لم ترِ شيئًا حين قدمتِ إلى هُنا؟"
ليلى بإرتباك: "وما علمي بأنّني أول الحُضور! هُناك عدّة مداخِل إلى هُنا وجميعهُم ارتكبوا ما هو اسوأ من القتل
أليس بـهيّن عليهم أن يخفوا جُثّة؟"
ردّ عليها نذير مُباشرةً: "ولكنّكِ كنتِ مذعورة حين رأيتك! لا يُذعَر شخص أتى بطلب المغفرة"
ليلى: "وما علمك بأنّ ذعري كان لذلك السبب؟! ولمَ قد أُخبرك لمَ أنا مذعورة؟"
نذير بـإبتسامة ساخرة: "لم أطلب منك أن تخبريني عن سبب ذعرك"
المُنظّم: "إنّ كنتِ تسمحين، لمَ كُنتِ مذعورة؟"
ليلى: "أنا حقًا بلهاء! أنا آسفة! حين وصلت إلى هُنا ورأيت الجثّة مُعلّقة ظننتُ أنّكم تحاولون الإيقاع بي وتوريطي
فـهربت مذعورة .. أثناء إتجاهي للخارِج صادفت نذير، فتظاهرت أنّني أضعت المدخل وعُدت إلى هُنا
وأقسم . . أُقسم أنّ الجثة اختفَت فجأة دون أن أعرِف ما حدَث"
هُنا قُطعَ حبلها بقسمٍ كاذِب

نذير: "لكنّ ما لا تعلمينه أنّني وجدت رواسب دماء في دورة المياه بعد أن خرجتي منها"
قُطع حبله بـشهادة زور

كريم أردف سريعًا: "مهلًا مهلًا! بالرغم من أنّني لا أريد الإشتباك في كلّ هذا
لكن أخبرينا أين خبأتي الجثّة؟ بإمكاننا أن نُمحيها للأبد . . ونُضيف تفاصيل بأنّ الآنسة لم تأتي للجمعية قطّ
وأن السيّد لمَ يُقابلها ولم يعرفها من قَبل"
المُنظّم: "هذه نُقطة جيدة! لن ينتبه لإختفائها أحَد من الأساس كونها من دار رعاية غير معروفة"
هُنا قُطع حبل كريم بـتلفيق وتغيير الحقائق

سماح: "لكن كيف سنُواصِل البقاء معًا بـعلمنا أنّنا أخفينا كلّ هذا؟ كيف ستطمئن أنفسنا بطلب المغفرة بينما نحن متواطدين في جريمة؟"
المُنظّم: "لهذا نحنُ هُنا، هذه الخطيئة ستُجرّ مع بقايا الخطايا حين نطلب المغفرة لا تقلقي"
سماح بإقتناع: "فعلًا، نحنُ لم نفعَل شيء . .هذا لا شيء"
وهُنا قُطع حبلها بتقبّلها للكبائر وجعلها صغائر . . جعلها لا شيء

أمّا نِهال . .فـنِهال نذرت من قبل القدوم ألّا تتحدَّث أبدًا وألّا تُشاركهم
فـكان حبلها أوّل ما يُقطَع لأنها مهما شهدَت وسمعَت لن تنطق
أتَت للمغفرة، وأضافَت خطيئة على خطاياها وستطلُلب المغفرة




ما لا يعلمه الجميع أنّ الآنسة التي كانَت جثّة لديهم ويتناقشون كيف يخفون وجودها كانَت بالطابِق الأعلى في زاوية مُظلمة تُدوّن كلماتهم .. بعد أن أنهوا كلّ هذا نظرَت للسماء وقالَت:
"يا لربّي الغفور، أتسائل إن كان سيغفر لهم كلّ هذا"
وكانَت الوحيدة التي لم يُقطَع حبلها، جاءت تُساعدهم في التكفير عن خطاياهم
وظلّت كذلك.

الأحد، 18 فبراير 2018

جدير بالذكر

جدير بالذكر

"من يأتي متأخرًا يُصبح محط الإهتمام أيًا كان موقفه"
جدير بالذكر أنّه لم يتعمَّد القدوم متأخرًا . . كان منذ لحظات يركض بأسرع ما لديه خشية أن يقع في هذا الموقف
وما هو جدير بالذكر أكثر أن الحاضرين باكرًا لم يحصدوا شيء من قدومهم المُبكّر
لأن الحدث لم يبدأ فعليًا حتّى يشرفهم آخر الحضور

"من يأتي باكرًا يضمن له المقعد الأفضل أيًا كانت مكانته"
جدير بالذكر أنّه تجهز باكرًا مصدقًا المواقيت التي تُكتب في الدعوات، دون علم منه أن ذلك ليس إلّا وقت الإفتتاح
أي وقت تأمّل الكرسي الذي تجلس عليه لساعات طويلة 
وما هو جدير بالذكر أكثر أن لديه متسع من الوقت ليعدّل هندامه . . ففي حين عجلة قد لا تعقد ربطة حذائك جيدًا


"من لا يأتي باكرًا ولا متأخرًا، فقط في الوقت الذي يحتشد فيه الناس"
جدير بالذكر أن حين دخوله سيجِد المُبكرين قد جلسوا بأفضل أوضاعهم، فـينتابه القلق من أنّه قد فوّت الكثير
وما أن يجِد مكان ليجلس حتّى يُدرك أنه أتى في الوقت المناسب، لأنهم ما زالوا يلقون خِطاب المقدمة
وما هو جدير بالذكر أكثر أنّه يطمئن حين يرى المتأخرين يُلامون . . بهذا يُدرك أنّه لم يفسِد الحدث


جدير بالذكر أن الثلاثة أصناف أعلاه غادروا في الوقت ذاته، الوقت الذي تُطفأ فيه أضواء المكان
وما هو جدير بالذكر أكثر أن جميعهم حصلوا على مقعَد
قد ترى أن المبكرين هم الأكثر راحة، فـحين ينهضون نسبة وقوعهم بسيطة
لأننا قد ذكرنا أنهم سيعدلون ما كان ينقصهم أثناء إنتظارهم
لكن كيف لكَ أن تعلَم أن المتأخرين لم يوثقوا أحذيتهم؟
قد يكونون أولئك هُم من يتجهزون متأخرًا ويتمون الإستعداد في غضون لحظات
والطريف أن أحد الحضور الذين تناصفوا الوقت وقع . . وكان الوجه الرئيسي للحدث
لأنهم ضحكوا عليه كثيرًا وكان السيرة الشاغلة الوحيدة طيلة ذلك الوقت
فـكيف لا تتمنى أن تكون مكانه؟ الشخص الذي يخطف الأنظار!




"جدير بالذكر أن من يُولَد أولًا سيتعيّن عليه التجهيز كثيرًا ليوفر حياة كريمة لمَن سيولدون لاحقًا
هو صاحب المسؤولية المُطالب بأن يبدو في أفضل حالاته
هو من سيلحَظ النواقص ويعدل عليها
أمّا من يُولدون في المُنتصف هُم مَن سينعمون بالحياة الوافرة . . مَن سيضمنون مكان حتّى وإن لم يكونوا المبكرين
من يُولد متأخرًا هو من استفاد من أخطاء من وقعوا أثناء الحياة في المُنتصَف
من لديهم خبرة عالية استمدوها مسبقًا، من لن يتعرقلوا بـسهولة بل سيسردون تاريخ المتعرقلين"