الأحد، 24 سبتمبر 2017

حديث على الطاولة

كل طاولة بما حوَت تُقلَب، إلّا تلك الطاولات التي تُعقد عليها جلسة مصارحة بين أصدقاء

تلك مَن لا تتميز بالترتيب بما فوقها، من قد يتواجد على سطحها كوب قهوة وبـجانبه بعض المثلجات
مع أنهم جُلساء مكانهم ولكن عقولهم تُسابق كلماتهم فيما يهذون
فـبعض من العفوية وشطران من الضحكات ولأنهم اتفقوا على الصراحة فـقد يحضر بعض الغضَب
لأن صديق منهم سيعترف بأنه كان قد صنع موقف وقد ضرّ بالآخرين
ولكن لأن ما يحدث في الماضي بقى ماضيًا فـهم سيضحكون للآن بإعتباره خطأ ساذج منه
لم يقسموا على أن يكون الصدق هو مبدأهم هُنا كما يُفعَل في محاكمات الحلفان تلك
هُم هنا للحديث والإصغاء مُتفقين على أن يكون كل شيء نُسج بـخيط صدق
لكن كيف يكون ذلك مُمكنًا متى يكون رداءك مزينًا نظيفًا من الخارج بينما ملابسك التحتية مهترئة؟
لعلّه ليسَ بالوصف الأنسب، ولكن كل نقاش يُدار فوق تلك الطاولة كان يختلف عمّا يدور تحتها
فـبينما يتوددون لصديق مُشيدين بـصفات لم تتواجد به وصنعوها عنوة
سيكون هناك ارتطام أقدام أسفلها، وكل تلك الارتطامات لا تحدث بالمُصادفة
فـهي أقدام خطَت من منشأها إلى هذه الطاولة بـكل ثقة، فما كانت لترتطم الآن
وستبدأ بالتساؤل عن سبب الارتطام، حتّى تشك أنهم رزقوا بـفمٍ آخر في قعر أقدامهم
وبينما ينهمك ذلك الفوج في رطم الأقدام، هُناك غضّ أعيان في الجزء العلوي
تراها كـعامل جسدي طبيعي، ولكن ما كانت تلك الأعين لترمش في موقف تطلّب منها فيه الإصغاء أكثر من الاذان
يبوحون بـكلماتهم بـكل صدق ويا للإلتقان، لا سميع من اليمين يُدرك ما تبطّن ولا من هُم بالغرب أقدامهم ينتشلان
ويا لعجب الأمر حين ينهضون من أعلى تلك الطاولة قائلين عنها أنها كانت أصدق محادثة يخوضونها منذ وقتٍ طويل
ويقصدون أن في ذلك "الوقت الطويل" كذبوا كثيرًا كـجرعة دواء كبيرة تناولوها
وتبقّت الآثار الجانبية إلى الآن مُتجسدة كـهلوسة في أن كل ما قيل من كذب حتّى الآن كان حقّ مشروع وهّان
وتظلّ تلك الطاولة تجمعهم سواءً استخلصوا آثار جرعاتهم الكبيرة أم لا، فلَم يُوضع على الطاولة وشاح جميل للزينة فـحسب
لابد أنه يستر السيقان العارية أسفلها، ولابد أنه يسحر الأبصار فـتومض كثيرًا في الأعلى.

السبت، 9 سبتمبر 2017

وثلاثتنا لم نكُن على قلبِ رجلٍ واحد

وكما كُتبت لهم الحياة . . كُتب لهم اللقاء
فالتقوا وتحدثوا وأبرحوا الناس من حولهم ضربًا عن طريق كلماتهم
كان لقائهم الأول يُعدّ كـاللقاء اللامعدود لبعض الأصدقاء
لم يكُن محظ صُدفة تُخوّلهم للتعارف أكثر لاحقًا، بل كان حسّ يربطهم
أحدهم كان الخجول الذي لم يسبِق وأن أفصح عن شعور، استنكرَ كل شيء من حوله كان غريب أطوار عزول
الآخر كان طليق اللسان المُتحاذق الباحث عن الاهتمام، مُحيط بـكل شيء لا يحسب حساب لما بين الفكّ والأسنان
ثالثهم كان حسيب الكلمات الوهّان، من تظنه لوهلة أبكمًا لصمته ولكن عقله بـكلّ الأفكار رنّان
جميعهم يمتلكون سرًّا لن يُخفى بعد الآن، خجولهم وجدَ أنها الفُرصة الأنسب للريّ بالكلام
ولكن كيف يُهذي بأسراره متى بقيتهم آسرى للكتمان، متى يستنكر من يُطبق فوهه بإحكام؟
فـأقترح عليهم أن يشرع طليقهم أولًا، ذاك من لا يحسب للأمور أية حسبان
ودون شكّ منك هو سيفعَل، فـقد يلقي بـبعض قول أو قولان
ولأنه ويا حسرة الصادقين اعتادَ الكذِب فـأسرى عليهم بـسيل زيفٍ ووديان
وحتّى أحسّ خجولهم بالأمان، فـبدأ متأتأً بـلسانه يشرح بـبطئ باحثًا عن بُرهان
ولـسوء توضيحه للأمور، كان ناتِج سرّه المنطوق غريب ولم يبان
فـأخذ بقيتهم ينتظران سرد يُوفِّ حديثه، ولكن انتابه الخجل فـأخذا بما يشاءان يُفسّران
وبعد حينٍ نظرا للثالث سرّه يتحرّيان، فلم يحصدا سوى صمت منه وفراغ أذهان
فأطالا النظر إليه وباتَ يُشير بـيديه وبعد استغراق وقت بدآ يستوعبان
هو الأبكم بينهم من سيحفظ سرّهم مَن لو كُشف أمرهم هو المُدان
وأكملوا لقاءهم بـمُحادثات طفيفة بينهم دون أن يعلَم أحدهم سرّ الآخر المُصان
وحين حانَت لحظة الوداع تبادلوا فيما بينهم السلام
وغادرا خجولهم يترنّح خوفًا ممّا قاله، فـدون قصدٍ منه اختلق سوء استفهام
وطليقهم سارَ بـثقة كـعادته، مُحيطًا بأن كذبته ستنجحَ كما كان يفعل بإدمان
وأمّا أبكمهم سارَ نحو المُحاسب، يسأله بصوتٍ مرتعش ما إن كان دفع الإثنان
ولا نعلم ما سبب رعشته، فقد سمع ما يكفي ليصبّ الخوف في الأبدان
وما بين كاذب وصانع سوء فهم وأبكم، حقيقة تموت وتحيا في بعض الأحيان.




"أولئك من يكذبون يظنون أن الحقيقة بكماء ولن تنطق ابدا، وأمّا من تزلّ لسانهم بـسوء فهم سيدعون ألا تنطق الحقيقة من جديد
لكن من يتظاهرون بـخلاف ما هُم عليه سيضطرون للكذب بقية حياتهم دون أن ينطقوا ولو بـزلّة لسان.
"