كل طاولة بما حوَت تُقلَب، إلّا تلك الطاولات التي تُعقد عليها جلسة مصارحة بين أصدقاء

تلك مَن لا تتميز بالترتيب بما فوقها، من قد يتواجد على سطحها كوب قهوة وبـجانبه بعض المثلجات
مع أنهم جُلساء مكانهم ولكن عقولهم تُسابق كلماتهم فيما يهذون
فـبعض من العفوية وشطران من الضحكات ولأنهم اتفقوا على الصراحة فـقد يحضر بعض الغضَب
لأن صديق منهم سيعترف بأنه كان قد صنع موقف وقد ضرّ بالآخرين
ولكن لأن ما يحدث في الماضي بقى ماضيًا فـهم سيضحكون للآن بإعتباره خطأ ساذج منه
لم يقسموا على أن يكون الصدق هو مبدأهم هُنا كما يُفعَل في محاكمات الحلفان تلك
هُم هنا للحديث والإصغاء مُتفقين على أن يكون كل شيء نُسج بـخيط صدق
لكن كيف يكون ذلك مُمكنًا متى يكون رداءك مزينًا نظيفًا من الخارج بينما ملابسك التحتية مهترئة؟
لعلّه ليسَ بالوصف الأنسب، ولكن كل نقاش يُدار فوق تلك الطاولة كان يختلف عمّا يدور تحتها
فـبينما يتوددون لصديق مُشيدين بـصفات لم تتواجد به وصنعوها عنوة
سيكون هناك ارتطام أقدام أسفلها، وكل تلك الارتطامات لا تحدث بالمُصادفة
فـهي أقدام خطَت من منشأها إلى هذه الطاولة بـكل ثقة، فما كانت لترتطم الآن
وستبدأ بالتساؤل عن سبب الارتطام، حتّى تشك أنهم رزقوا بـفمٍ آخر في قعر أقدامهم
وبينما ينهمك ذلك الفوج في رطم الأقدام، هُناك غضّ أعيان في الجزء العلوي
تراها كـعامل جسدي طبيعي، ولكن ما كانت تلك الأعين لترمش في موقف تطلّب منها فيه الإصغاء أكثر من الاذان
يبوحون بـكلماتهم بـكل صدق ويا للإلتقان، لا سميع من اليمين يُدرك ما تبطّن ولا من هُم بالغرب أقدامهم ينتشلان
ويا لعجب الأمر حين ينهضون من أعلى تلك الطاولة قائلين عنها أنها كانت أصدق محادثة يخوضونها منذ وقتٍ طويل
ويقصدون أن في ذلك "الوقت الطويل" كذبوا كثيرًا كـجرعة دواء كبيرة تناولوها
وتبقّت الآثار الجانبية إلى الآن مُتجسدة كـهلوسة في أن كل ما قيل من كذب حتّى الآن كان حقّ مشروع وهّان
وتظلّ تلك الطاولة تجمعهم سواءً استخلصوا آثار جرعاتهم الكبيرة أم لا، فلَم يُوضع على الطاولة وشاح جميل للزينة فـحسب
لابد أنه يستر السيقان العارية أسفلها، ولابد أنه يسحر الأبصار فـتومض كثيرًا في الأعلى.